سورة النساء - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
{والمحصنات مِنَ النسآء} المراد هنا ذوات الأزواج، وهو معطوف على المحرمات المذكورة قبله، والمعنى انه لا يحل نكاح المرأة إذا كانت في عصمة الرجل {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم} يريد السبايا في أشهر الأقوال، والاستثناء متصل، والمعنى: أن المرأة الكافرة إذا كان لها زوج، ثم سبيت: جاز لمن ملكها من المسلمين أن يطأها، وسبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس، فأصابوا سبايا من العدوّ لهنّ أزواج من المشركين، فتأثم المسلمون من غشيانهنّ، فنزلت الآية مبيحة لذلك ومذهب مالك أن السبي يهدم النكاح سواء سُبي الزوجان الكافران معاً أو سُبي أحدهما قبل الآخر، وقال ابن المواز: لا يهدم السبي النكاح {كتاب الله عَلَيْكُمْ} منصوب على المصدرية: أي كتب الله عليكم كتاباً وهو تحريم ما حرم؛ وهو عند الكوفيين منصوب على الإغراء {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذلكم} معناه: أحلّ لكم تزويج من سوى ما حرم من النساء، وعطف أحل على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله، والفاعل هو الله أي طتب الله عليكم تحريم من ذكر، وأحل لكم ما وراء ذلكم {أَن تَبْتَغُواْ} مفعول من أجله، أو بدل مما وراء ذلكم، وحذف مفعوله وهو النساء {مُّحْصِنِينَ} هنا العفة ونصبه على الحال من الفاعل في تبتغوا {غَيْرَ مسافحين} أي غير زناة، والسفاح هو هنا الزنا {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} قال ابن عباس وغيره: معناها إذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء فقد وجب إعطاء الأجر، وهو الصداق كاملاً. وقيل: إنها في نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل من غير ميراث، وكان جائزاً في أول الإسلام فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه، ثم حرم عند جمهور العلماء، فالآية على هذا منسوخة بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة، وقيل نسختها آية الفرائض لأن نكاح المتعة لا ميراث فيه، وقيل: نسختها {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] وروي عن ابن عباس جواز نكاح المتعة، وروي أنه رجع عنه {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تراضيتم} مَنْ قال: إن الآية المتقدمة في مهور النساء فمعنى هذه جواز ما يتراضون به من حط النساء من الصداق، أو تأخيره بعد استقرار الفريضة ومن قال: إن الآية في نكاح المتعة. فمعنى هذا جواز ما يتراضون به من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر.


{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)}
{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات} معناها إباحة تزويج الفتيات، وهنّ الإماء للرجل إذا لم يجد طولاً للمحصنات، والطوْل هنا هو السعة في المال، والمحصنات هنا يراد بهنّ؛ الحرائر غير المملوكات. ومذهب مالك وأكثر أصحابه أنه: لا يجوز للحر نكاح أمه إلاّ بشرطين: أحدهما: عدم الطول؛ وهو ألا يجد ما يتزوج به حرة، والآخر: خوف العنت، وهو الزنا لقوله بعد هذا: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ}، وأجاز ابن القاسم نكاحهن دون الشرطين على القول بأن دليل الخطاب لا يعتبر، واتفقوا على اشتراط الإسلام في الأمة التي تتزوج لقوله تعالى: {مِّن فتياتكم المؤمنات} إلاّ أهل العراق فلم يشترطوه، وإعراب طولاً: مفعولاً بالاستطاعة، وأن ينكح بدل منه وهو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح؛ ويحتمل أن يكون طولاً منصوباً على المصدر والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب، وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر {والله أَعْلَمُ بإيمانكم} معناه أنه يعلم بواطن الأمور ولكم ظواهرها، فإذا كانت الأمة ظاهرة الإيمان، فنكاحها صحيح، وعلم باطنها إلى الله {بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ} أي إماؤكم منكم، وهذا تأنيس بنكاح الإماء، لأن بعض العرب كان يأنف من ذلك {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أي بإذن ساداتهن المالكين لهنّ {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي صدقاتهن، وهذا يقتضي أنهنّ أحق بصدقاتهنّ من ساداتهنّ، وهو مذهب مالك {بالمعروف} أي بالشرع على ما تقتضيه السنة {محصنات غَيْرَ مسافحات} أي عفيفات غير زانيات، وهو منصوب على الحال والعامل فيه فانكحوهنّ {وَلاَ متخذات أخدان} جمع خدن وهو الخليل، وكان من نساء الجاهلية من تتخذ خدناً تزني معه خاصة، ومنهن من كانت لا تردّ يد لامس {أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} معنى ذلك أن الأمة إذا زنت بعد أن أحصنت فعليها نصف حدّ الحرة، فإن الحرة تجلد في الزنا مائة جلدة، والأمة تجلد خمسين، فإذا أحصن يريد به هنا تزوّجن، والفاحشة هنا الزنا، والمحصنات هنا الحرائر، والعذاب هنا الحدّ فاقتضت الآية حدّ الأمة إذا زنت بعد أن تزوّجت، ويؤخذ حدّ غير المتزوّجة من السنة؛ وهو مثل حدّ المتزوّجة وهذا على قراءة أُحصنَّ بضم الهمزة وكسر الصاد، وقرئ بفتحهما، ومعناه أسلمن، وقيل: تزوّجن {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ} الإشارة إلى تزوّج الأمة أي إنما يجوز لمن خشي على نفسه الزنا، لا لمن يملك نفسه {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} المراد الصبر عن نكاح الإماء، وهذا يندب إلى تركه، وعلته ما يؤدي إليه من استرقاق الولد.


{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}
{وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} قيل: معناه لا يصبر على النساء، وذلك مقتضى سياق الكلام، واللفظ أعم من ذلك {لاَ تأكلوا أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل} يدخل فيه القمار والغصب والسرقة وغير ذلك {إِلاَّ أَن تَكُونَ تجارة} استثناء منقطع، والمعنى: لكن إن كانت تجارة فكلوها، وفي إباحة التجارة دليل ع لى انه: يجوز للإنسان أن يشتري بدرهم سلعة تساوي مائة، والمشهور إمضاء البيع. وحكي عن ابن وهب أنه يرد إذا كان الغبن أكثر من الثلث. وموضع أن نصب، وتجارة بالرفع فاعل تكون وهي تامة، وقرئ بالنصب خبر تكون وهي ناقصة {عَن تراض مِّنْكُمْ} أي إتفاق. وبهذا استدل المالكية على تمام البيع وبالعقد، دون التفرق وقال الشافعي: إنما يتم بالتفرق بالأبدان، لقوله صلى الله عليه وسلم: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا».
{وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ} قال ابن عطية أجمع المفسرون أن المعنى: لا يقتل بعضكم بعضاً، قلت: ولفظها يتناول قتل الإنسان لنفسه، وقد حملها عمرو بن العاص على ذلك، ولم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10